يعتبر الإعلام ـ و خصوصاً في أيامنا هذه ـ من أخطر المؤسسات تأثيراً على المجتمعات و الشعوب ، و من ثم فهو من الجهات التي توليها الحكومات و الجماعات أهمية قصوى ، نظراً لتعدد و سائله ، من صحافة و إذاعة و تلفزيون ومطبوعات ، و نظراً لسهولة و صول هذه الوسائل إلى قطاعات عريضة جداً من المجتمعات المختلفة ، حيث تفعل فعلها في عقول الناس و نفوسهم ، و من ثم تؤثر في اتجاهاتهم ، حيث تفعل فعلها في عقول الناس و نفوسهم ، ومن ثم تؤثر في اتجاهاتهم ، و من ثم في مواقفهم التي يتخذونها حيال كثير من القضايا ، يستوي في ذلك صغيرهم و الكبير ، غنيهم و الفقير ، متعلمهم و الجاهل .
" وقد لا نغالي إذا قلنا بأننا نعيش اليوم مرحلة الدولة الإعلامية الواحدة التي ألغت الحدود ، و أزالت السدود ، واختزلت المسافات و الأزمان ، و اختصرت التاريخ ، و تكاد تلغي الجغرافيا ، حتى بات الإنسان يرى العالم و يسمعه من مقعده ، و لم يقتصر الأمر على اختراق الحدود السياسية ، و السدود الأمنية ، و إنما بدأ يتجاوزه إلى إلغاء الحدود الثقافية ، و يتدخل في الخصائص النفسية ، و تشكيل القطاعات العقدية ، فيعيد بناءها و فق الخطط المرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيراً ، و البيان الأكثر سحراً ، و التحكم الأكثر تقنية " .
لقد مكنت وسائل الإعلام الضخمة الإعلام من احتلال مكانة خاصة في قلوب الناس ، حتى ليصعب عليهم تصور الحياة و قد خلت من وسائل الإعلام تنقل إلى الإنسان تفاصيل الأحداث و الوقائع ، و شتى الأفكار و الاتجاهات والآراء ، وصنوف المعرفة ، من حيث تصدر إلى حيث تكون ، دون أن تحول بينه و بين عوامل الزمان و المكان ، أو اختلاف اللغات و اللهجات ، أو حتى مستويات استيعاب الحقائق ، أو الإفادة منها ، أو التأثر بها .
إن الإعلام يلعب دوراً مهماً في حياة الأمم و الشعوب ، و لا تكاد تخلو أمة من أمم الأرض ، أو شعب من شعوبها من تأثيره ، سلباً أو إيجاباً ، و إن اختلفت سبل و طرق هذا التأثير ... و يظل الإعلام المعاصر بتقنياته المتطورة ، ووسائله المختلفة رمزاً من رموز التحضر ، و معلماً من معالم التقدم بين الأمم ، فبه تستطيع الأمة ، أية أمه ، أن تضاهي بمبادئها و قيمها و منجزاتها ، و عن طريقه تفتح الأمة نوافذ المعرفة و سبل الاتصال ، و وسائل التعارف بينها و بين شعوب الأرض .
و إذا كان الراديو قد ربط بين الشعوب المختلفة في نقله للأخبار ، و توصيلة للمعلومات ، و نشره للمعرفة و الآراء المختلفة التي تجود بها قرائح الكتاب و المفكرين فإن التلفزيون قد جاء ليضيف أبعاداً جديدة للعملية الإعلامية ، بالصوت و الصورة معاً ، و ليدخل معظم البيوت ضيفاً مرحباً به من الجميع .. كبار و صغار .. متعلمين و أنصاف متعلمين و أميين .
إن الأب المسلم حريص جداً على تربية و لده التربية الحسنة ، و تنشئته النشأة الصالحة ، و العناية بجسمه وصحته، و بناءً على ذلك ، فلا يرضى أن يُدخل إلى بيته شخصاً سيء الأخلاق أو يجلس ولده مع رفيق سوء ، لأجل الحفاظ على دين و لده و سلامة أخلاقه ، فلا يرى من هذا أو ذاك سيء الأفعال و سوء الأخلاق فيتعلم مما يشاهده منهما ، وكذلك لا يرضى لولده أن يقوم بأشياء تضر جسمه و تؤذيه . فإذا ما وصل الأمر إلى جهاز التلفزيون تبخر عند الكثير من الآباء كل هذا الحرص على دين أولادهم و أخلاقهم و أجسامهم ، فلا يمانع أحدهم أن يجلس و لده إلى هذا الدخيل و جليس السوء فيشاهد فيه أنواعاً شتى و صنوفاً مختلفة من أفعال الشر و الإجرام و العنف و الجنس من قتل و ضرب و اغتصاب و تقبيل و جماع و سرقة و سكر و كذب و غش و تزوير واحتيال و إدمان للدخان و المخدرات و فسق و فجور و عقوق و تمرد ... إلخ .
و لا يخاف من أن يتعلم و لده شيئاً مما يشاهده فيه ، كذلك الأمر بالنسبة لجسمه حيث لا يمانع من أن يجلس و لده الجلسات الطويلة أمام التلفزيون فيتضرر جسمه أضراراً مختلفة ، و ربما هو الذي يدعوه إلى هذا الجلوس . ربما لأن التلفزيون مخدر كهربي ، أو غاسل دماغ ، أو منوم إيحائي ... أو أي وصف آخر من الأوصاف التي أطلقها عليه العلماء من أبناء البلدان التي اخترعت هذا الجهاز ، فيجعل الأب يتعامى عن كل هذه الأضرار التي يمكن أن تلحق بولده منه ، وربما لأن التلفزيون قد عمل على تخدير الأب نفسه .
و كثير من الآباء ينظرون إلى جهاز التلفزيون نظرة سطحية ، كمن ينظر إلى قنبلة على أنها مجرد كرة حديد يمكن ركلها و اللعب بها ، و لا يعبأ بما في داخلها من المواد المتفجرة والقاتلة ، ينظرون إلى التلفزيون على أنه مجرد جهاز للتسلية ، ولا يأبهون لمضمون ما يبثه من مواد سيئة وضارة . ومن باب التسلية هذا تدخل الشرور و المفاسد إلى عقول الأطفال و أنفسهم ، فبعضها يظهر فوراً في أقوال الطفل وتصرفاته ، و بعضها لا يظهر إلا مع مرور الزمن ، حيث يستمر دخول هذه الشرور و المفاسد بانتظام و تتراكم في داخل نفس الطفل و تدخل في صميم قناعته الشخصية على أنها جزء حقيقي من السلوك الإنساني و الاجتماعي ، وعندما يكبر و يصل إلى مرحلة المراهقة حيث تبرز شخصيته و يزداد استقلالاً عن الكبار ، تظهر هذه الأمراض في أخلاقه و تصوراته و سلوكه و أقواله ، و يبدأ في التعامل مع أهله و مع الناس من خلال ما تجمع لديه من مشاهداته التلفزيونية .
أثر التلفزيون على الطفل و نموه المتكامل
من المعروف أن لتلفزيون ، يلعب في الوقت الحاضر ، دوراً فاعلاً في حياة الناس ، فينقل إليهم و هم في بيوتهم أو في أي موقع يتواجدون فيه العلم و المعرفة و الخبرة و التسلية و الترفيه ، كما يعتبر من أكثر الوسائل الإعلامية فعالية في تطوير الناس و توجيههم .
كما اعتبر من الوسائل الناجحة في تعليم الصغار و الكبار ، حيث استخدم في كثير من الجامعات و المدارس ورياض الأطفال و دور الحضانة ، و تغطي برامجه معظم نواحي الحياة ، و تتوجه إلى جميع الفئات و الأعمار ، ويبث برامج تعليمية للمراحل المختلفة ، وبرامج ثقافية ، وبرامج ترفيهية ، و إعلامية ، و إخبارية ، و اجتماعية للأسر و الأفراد ، و برامج للهواة و الفنون على اختلاف ألوانها .
و لذلك كله ، يلعب دوراً مؤثراً في حياة الناس ، وبخاصة فئة الأطفال منهم لأنهم أكثر الفئات مشاهدة له و يعطونه وقتاً أطول في متابعة برامجه المخصصة لهم لذلك لا بد من معرفة الآثار الايجابية و السلبية لهذه المشاهدات في حياة الأطفال و مراحل نموهم المختلفة . فقد أثبتت الدراسات في هذا المجال أن الطفل يقع في حيرة من أمره ، ويصاب بالوهم فيما يشاهده على الشاشة الصغيرة من أنه الواقع أو الحقيقة .
فالطفل يستطيع أن يشاهد عرضاً واقعياً لأحداث تمر في الحياة ينقلها التلفزيون بتفصيلاتها كما هي على أرض الواقع ، ويتأكد من واقعية و حقيقة ما يشاهد . و لكنه لا يستطيع أن يتصور أنه في مشهد غير واقعي أو حقيقي عندما يشاهد مشهداً درامياً فيه ممثلون يعطون التمثيل حقه من تقمص الواقع بتفصيلاته .
و من خلال سرد الوقائع و الأحداث في إطار متكامل مع الكلمة و الصورة ، يتأكد الطفل من مشاهدته للحدث ومكانه وزمانه ، وكأنه يعايشه و اقعياً .
لذلك كله فالطفل عندما ينظر إلى التلفزيون يعتبره مرآة تعكس الواقع و الحقيقة كما هي ، دون تدخل ، أو تعديل أو تغيير ، مع أن الواقع العلمي يؤكد قدرة التلفزيون على التعديل و التغيير حسب رأي المعدين و المخرجين و المصورين ، كما أنه يملك القدرة على التلاعب الدرامي في المشهد التمثيلي و القصصي المعروض على الأطفال ، و ذلك بتدخل كاتب النص و المخرج و الممثل و إمكانات التصوير مما يجعل ما يعرض في المشهد الدرامي غير الواقع الحقيقي ، لكن الإمكانات الفنية للعرض تخلط للأطفال هذا الوهم بالحقيقة و الواقع .
و هذا مما يؤكد أن التلفزيون قادر على العرض الواقعي ، كما هو قادر على عرض تقريبي للواقع بواسطة التدخل الفني و التكنولوجي .
و من المعروف أيضاً أن منتجي برامج الأطفال التلفزيونية لا يركزون دائماً على إظهار عنصر الخير و حده ، أ, عنصر الشر و حده ، و إنما يمررون هذين العنصرين ضمن إطار من المداخلات ذات الطابع النفساني أو الاجتماعي أو الجسدي . مع أنهم يعرفون أن الطفل لا يستطيع الربط بين المداخلات النفسية ، و بين الظواهر البارزة ، ولا يعلق في ذاكراته إلا المميز .
و لا يخفى و الحالة هذه أن المشاهدين الكبار لبرامج التلفزيون يستطيعون التمييز بين الحقيقة المعروضة ، والحيل الفنية الآلية ، لكن الطفل لا يستطيع ذلك ، لعدم اطلاعه على حيل الألعاب التصويرية ، فينظر إليها على أنها حقائق منظورة .
و هذا مما له الأثر النفسي في نمو الطفل ، مع أنه أثر قد يهتز بدرجات متفاوته حسب مراحل النمو العمري ، ولكنه يبغى ثابتاً بنسبة عالية حتى الاستمرار في النمو الإدراكي و العقلي عند الطفل .
و هناك أثر واضح للتلفزيون في جوانب نمو شخصية الأطفال ، منها أن الطفل الذي يقضي وقتاً طويلاً أمام شاشة التلفزيون ، قد يؤدي به ذلك على تخلف في قدراته على التصور و التخيل و الإبداع و الابتكار ، وهذا ما يتناقض عادة و المطالعة التي تكسب الأطفال النظر إلى الصور المقروءة التي تمثلها الحروف ، مما يؤدي إلى استيعابها و فهم مدلولاتها الفردية و الجماعية ، و الطفل عندما يقرأ و يطالع الكتاب يتمتع بقدرة على التخيل الحر في استخلاص الصور و المعاني و المفاهيم م خلال الحروف و الكلمات و التراكيب .
و هذه التخيلات و التصورات هي التي تنمي حركة الفكر و العاطفة و الشعور ، أما خلال مشاهدة الطفل التلفزيون ، فإنه ينظر إلى صور جاهزة في إطارها العام و في تفاصيلها التي تكون معدة من قبل خبراء في النص والديكور و التصوير و الإخراج و الصوت فتبدو و كأنها هي الأكمل و الأفضل و الأسهل ، فيأخذها الطفل كحقيقة مسلمة ، لا تحتاج منه إلى التفكير و التخيل و التصور ، مما يبطيء في تنمية حركة الفكر و التخيل عنده .
و أثر التلفزيون في هذه الحالة على الطفل ، هو تعويده على مزيد من السهولة في طلب الأشياء و الحصول عليها ، فالتلفزيون قادر على إيصال المضمون إلى الطفل في مراحل عمره المتقدمة بحيث يكون باستطاعته ، وهو في مرحلة ما قبل المدرسة أن يرى التلفزيون وسيلة دافعية للمطالعة ، عندما يحس الطفل في مرحلة المدرسة أنه بحاجة إلى استكمال ما شاهد من معلومات غير مستكملة في البث التلفزيوني ، وبخاصة أن التلفزيون يملك وسائل ترغيبية تربوية تحث الطفل على مطالعة الكتب ، مع إعلامه بالكتب الصادرة قديماً و حديثاً .
أما على مستوى لعب الأطفال فإن التلفزيون يحد من انطلاقة الطفل غير المقيدة في اللعب و الحركة المرافقة ، لكنه قد يبرمج له ألعاباً تربوية و ثقافية و نشاطات يدوية و فنية و موسيقية ذات فائدة .
و من الناحية اللُغوية ، فالتلفزيون له أثر على تكونها و نموها عند الطفل ، و بخاصة إذا ما عرفنا أن النمو اللغوي عند الطفل مرتبط باستماعه إلى كلام الآخرين في المرحلة الأولية من تعلمه اللغة .
وقد أثبتت الدراسات التربوية أن من أبسط شروط اكتساب الطفل اللُغة ، هي إقامته في سنوات حياته الأولى علاقات ثابتة بينه و بين المحيطين به مباشرة . لذلك فالتلفزيون قد يكون واحداً من العوامل التي تؤثر في تأخر تعلم اللغة ، و عدم انتظام نموها عند الطفل في المرحلة الأولى من حياته .
فالبرامج التلفزيونية لا تزال غير مؤهلة لتأمين إيصال الكلام إلى مسمع الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة ، و ذلك بسبب تعدد الأشخاص المتحاورين في المشهد المعروض ، والسرعة النسبية التي يجرى بها الحوار . كما أن التلفزيون غير مؤهل في تثبيت اللُغة و نموها وتطورها ، لأن المحادثة الحوارية المطلوبة بين المتكلم في التلفزيون و الطفل غير موجودة ، و هذا الجانب السلبي يتحول إلى سلبية مؤثرة مع أسباب أخرى فسيولوجية تؤثر على انطلاق النطق السليم و المبكر عند الطفل .
و في هذا المجال أكدت الدراسات الإعلامية و الفيزيولوجية ، و منها أبحاث " ماري دبين " ، و بنتيجة المراقبة المخبرية ، أن الأطفال في المرحلة الأولى لنموهم أي في المرحلة الحسية ، لا يتعلمون من التفزيون شيئاً يذكر في الجانب اللُغوي .
و دلت هذه الدراسات أن علاقة التلفزيون في تعليم النطق و نمو اللغة عند الطفل تظهر في العمر ما بين ثلاث سنوات و أربع سنوات .
فقد ثبت أن الطفل في هذه السن يستوعب 20 % من مسار الأحداث الواردة في البرامج التي يشاهداها و يستطيع أن يتابع عشرين فعلاً أو حركة كاملة متلاحقة ، في حين أنه لا يستطيع أن يستوعب في الذاكرة أو يستفيد بواسطتها أكثر من ستة أفعال أو حركات كاملة .
إما إذا صاحب هذه الأفعال و الحركات شرح توضيحي بالكلام ، فإن نسبة الاستيعاب و الاستعادة في الذاكرة ترتفع إلى نسبة معقولة .
و قد أشارت هذه الدراسات و التجارب التربوية إلى أنه من الخطأ اعتبار الإكثار من مشاهدة برامج التلفزيون يؤدي إلى التعطيل الكلي لفاعلية الدماغ ، بل لا بد من تأثير نسبي و محدود . و هذا لا يعني أن بعض نواحي النمو الدماغي قد لا تصاب بالخلل نتيجة أسباب قد تحدث في مراكز معينة في المخ ، قد تؤدي إلى تأخير في النطق أو فقدانه أحياناً .
ولذلك فالمشاهدة المكثفة من قبل الطفل للتلفزيون قد تؤدى إلى عاملين سلبين هما :
1ـ الاكتفاء بالاستماع إلى الكلام من جهة واحدة ، وهذا يؤدي إلى أن الطفل لن بفهم منه إلا نسبة ضئيلة ، ولن يحتفظ في ذاكراته إلا بنسبة ضئيلة جداً منه .
2ـ إن الانشغال عن تحريك جهاز النطق و الحوار الكلامي و المنطقي أثناء المشاهدة التلفزيونية المكثفة ، يؤدي إلى ضعف في مركز استقبال الكلام ، و هذا يعني حدوث اضطراب في عملية النطق ، و يمكن أن تتأخر عن الحد الطبيعي الذي يُفترض أن يكون في مرحلة معينة من مراحل الطفولة التي يستقبل فيها الطفل ، أو يشاهد البرامج التلفزيونية المخصصة له .
أولياء الأمور .. و بعض القواعد التربوية في استخدام التلفزيون
و يضع الدكتور " ديفيد إنجلاند " مؤلف كتاب " التلفزيون .. و تربية الأطفال " أن هناك بعض القواعد المحددة التي يسهل إتباعها في المنازل بشأن مشاهدة أطفالهم للتلفزيون ، و هي تزيد من فائدة مشاهدتهم له ، و تقلل من الجوانب السلبية التي تحدث الآن . هذه القواعد هي:
1ـ كونوا متأكدين دوماً أن أطفالكم لديهم سبب جيد و محدد لمشاهدة ما يبغون مشاهدته ، و إذا لم يكن لديهم هذا السبب ، أو فكرة واضحة و محددة عما يشاهدون فبادروا فوراً إلى إغلاق الجهاز .
2ـ ينبغي أن تصروا على أن يشاهد أطفالكم برنامجاً واحداً في الجلسة الواحدة ، إذ إنه من النادر جداً أن نجد برنامجين يستحقان المشاهدة يذاعان واحداً وراء الآخر مباشرة ، و من هنا ينبغي أن تقللوا ـ قدر المستطاع من عملية استمرار المشاهدة .
3ـ تدخلوا للحد من " المشاهدة التلقائية Spontaneous Viewing " و خططوا لجلسات مشاهدة لكل أفراد العائلة مسبقاً ، حيث إنه بدون التخطيط .. بل بدون وضع جدول للمشاهدة ، يصبح من الصعب ضبط عملية المشاهدة و طول مدتها .
4ـ ينبغي أن يكون هناك واحد من أولياء الأمور ليتقاسم المشاهدة مع طفله أو أطفاله ، إن هذه القاعدة و حدها يمكن أن تكون ثورة في عالم مشاهدة التلفزيون للأطفال ، بل و لاستخدام التلفزيون عامة .
5ـ فتشوا عن برنامج واحد ـ على الأقل ـ يكون ممتازاً ، كل أسبوع ، و اجعلوا منه خبرة طيبة يستفيد منها الأطفال، بحيث يمكن أن يثار ـ بعد مشاهدته ـ عدد من الأسئلة ، أو أن تنظم رحلة إلى الخلاء ، أو زيارة المكتبة أو غيرها .
6ـ راقبوا جيداً ما يشاهده أبناؤكم . إن البعض منكم قد يصابون بالدهشة حين يفعلون ذلك ، وكونوا إيجابيين بالتدخل إذا تطلب الأمر ذلك .
7ـ لا تستعملوا التلفزيون ، أقصد مشاهدة التلفزيون ، عقاباً أو ثواباً ، إن معظم الأطفال لديهم تقدير خاص له ، فلا تعملوا على زيادة هذا التقدير ، و لا تدفعوهم نحو الرغبة فيه أكثر .
8 ـ كونوا نماذج طيبة لأبنائكم ، وراقبوا أنفسكم و حاسبوها فيما تشاهدون على الشاشة الصغيرة ، و اسألوا أنفسكم ـ بأمانة ـ عن البرامج التي تسمحون لأنفسكم بمشاهدتها .. وفكروا .
9 ـ شجعوا غيركم على فكرة تدريس التلفزيون في مدارس مجتمعاتكم المحلية ، حيث إنها لم تصبح فكرة شائعة بالقدر الكافي بعد .
الخداع البصري و السمعي في الإعلانات التجارية و تأثيره على السلوك الاستهلاكي
" ورد في الأثر أن امرأة العزيز كانت من فرط شغفها ترى يوسف ( عليه السلام ) في كل شىء حتى في السحاب المسخر بين السماء و الأرض . أما ملكة سبأ فظنت أن بصرها خدعها عندما رأت عرشها في مملكة سليمان ! وهكذا تتفاوت نماذج خداع البصر حتى في السراب الذي نضنه ماء و ليس بماء !
و كما تعلم الإنسان صناعة الطائرة من حركة الطيور ، تعلم صناعة خداع البصر بل و حتى خداع السمع ليخدم مصالحه المشروعة و الممنوعة ، الجدير بالاهتمام أن جانباً من تقنية الخداع يتم تناولها بجديدة كبيرة حيث يتم تطويرها في معامل " لوس ألاموس " ( Los Alamos ) التابعة للحكومة الأمريكية ، وفي حين أن هذه التقنية لها تطبيقات واسعة في العلميات العسكرية ( Psyops ) .
و تكاد الأموال التي تنفقها الشركات العالمية على الدعاية و الإعلان تتجاوز ما تنفقه الدول الصغيرة على مواطنيها ، و مع هذا نقول إن هذا من حق الشركات طالما أن وسائل الإعلان مشروعة و تحترم آدمية المستهلك ! المثير للجدل هو انتشار بعض الوسائل الإعلانية التي أخذت منعطفاً أثار قلق المشرعين بالدول المتقدمة بل و تجاوز ذلك إلى هئيات الأمم المتحدة . الأمر المزعج هو تقنيات الخداع السمعي و البصري التي طُورت للتأثير على سلوك المستهلك دون إداركه الواعي لذلك! و ليأذن لي القارئ الكريم أن استشهد بمصادر دامغة إبتداءً من جامعة "هارفرد" و مروراً بمجلة "تايم" و وصولاً إلى الكونغرس الأمريكي !
في كتاب " اللاواعي لدى المستهلك " الذي صدر حديثاً عن كلية الأعمال بجامعة " هارفرد " الأمريكية ، يقول البروفيسور " جيرالد زالتمان " إن 95% من قرارات الشراء تتخذ دون وعي المستهلك ، ذلك لاستخدام وسائل خداع تصل إلى سويداء مركز اتخاذ القرار و هو ما يسمى بالعقل الباطن . كدليل على هذا ، يستشهد البروفيسور بسلسلة من الأبحاث منها تناقض أقوال المستهلكين بأفعالهم ، فبينما يدعي هؤلاء تحكيم العقل و المقارنة حين الشراء ، إلا أنهم عند التسوق يندفعون لأخذ المنتج الذي يريدونه كأنهم ينصاعون لتأثير مسبق ترسخ في أعماقهم .
تحليل الدوافع
في زمن الصناعات اليدوية كانت الشركات تركز تنافسها على ميزة الجودة ، ولكن التقنية الحديثة استطاعت أن تضبط الجودة بتطبيق منهج الإنتاج الكلي ( mass production ) و معايير الجودة النوعية ، وفي حين ما زال البعض يستخدمون ميزة الجودة ، إلا أن معظم المعلنين أصبحوا يستخدمون وسائل نفسية لدفع المستهلكين للشراء ، ومن أجل هذا ذهب كثير منهم لعمل أبحاث مستفيضة لمعرفة نقاط ضعف المستهلك الكامنة بداخله والتي تعد أهدافاً سهلة ( soft target ) لاختراقها لتعظيم أرباح الشركات المعلنة .
يستخدم المعلنون وسيلة " تحليل الدوافع " ( motivational analysis ) للنفاذ إلى الرغبات البشرية الدفينة ولقد اكتسبت تلك المناهج دفعة قوية في الخمسينات الميلادية حيث طورها الباحثان الأمريكان " لويس تشن كن" و " ايرنست دكتر " ، تستند هذه المناهج إلى مبدأ تجاوز الوعي و الإدراك و الوصول مباشرة إلى مستوى العقل الباطن ( subconscious ) . و في عام 1973م قام الباحث " ولسون براين كي " بنشر كتاب " إغراءات ما دون الوعي " الذي أفاض في تطبيق هذه المفاهيم و بحثها بأسلوب مفصل . فيستنتج " كي " : أن شركات الإعلان ووكالات العلاقات العامة تتحايل على عقول الآخرين و تستغل الجماهير دون وعيهم أو معرفتهم .
خداع البصر
عندما يتأمل الإنسان ، إعلاناً ما يفصل بين أمرين ، يفصل بين المادة الإعلانية التي تتصدر الصورة ـ مثل صورة الإنسان أو السيارة أو المرطبات الخ ـ و بين الخلفية للمادة الإعلانية سواء كانت منظراً طبيعياً أو غير ذلك ، فالمادة الإعلانية هي التي تستحوذ على جل اهتمام الناظر أما الخلفية للمادة فلا تنال التركيز و الاهتمام باعتبار أنها وضعت لتبرز المادة الإعلانية ، و الذي فعلته تقنية الخداع هو إخفاء صور و رموز في الخلفية الفنية للإعلان لتبعث رسائل تتجاوز الإدراك لتصل إلى ما دون الوعي و بالتالي تؤثر على سلوك المستهلك دون إدراكه .
و لعل من أبرز من سبق في هذا الشأن عالم الإدراك السيكولوجي ( perceptual psychologist ) الدكتور "أي.روبين" الذي طور وسائل و طرق لإخفاء بعض الصور ـ مثل صور الإنسان أو الحيوانات أو فازات الزهور ـ بحيث يمكن رؤية أكثر من صورة واحدة ، ولقد استغل المعلنون هذه التقنية لإخفاء رسائل إعلانية في الخلفيات الفنية للإعلانات ، و بذلك أمكن اختراق مدارك الجمهور دون ملاحظتهم .
الجرافيكس
و لقد نجح التقنيون في تطوير أبحاث الدكتور " روبين " باستخدام تقنية الـ " جرافيكس " ( graphics ) وهي مزيج من فن التصوير و الرسم ، فلقد يسرت هذه التقنية دمج رسائل إعلانية مخفية باستخدام ما يسمى " فرش الهواء " ( air brushes ) على لوحات إعلانية كبيرة ، و من ثم تصويرها و عمل نسخ منها للنشر ، و بهذا أمكن إخفاء رسائل اللاواعي باستخدام الخداع البصري في عالم الصحف و المجلات و المطبوعات .
أما مؤخراً فلقد أصبحت الشركات المتخصصة تستخدم أجهزة الحاسب الآلي و التقنية الرقمية (digital technology ) للحصول على أعلى مستويات من الإتقان في إدماج أو إخفاء الرسائل الإعلانية .
خيارات الوسائل
بما أن التطور التقني يفضي إلى تطورات أخرى ، فلقد تطورت وسائل الخداع السمعي و البصري حتى بلغت ست وسائل ، كما أن بعض شركات الإعلانات المتميزة تمكنت من الجمع بين أكثر من وسيلة في نفس الإعلان للحصول على نتائج استثنائية ، و برغم تعقيد هذه التقنيات يمكن تلخيصها كما يلي : ـ
عكس الصورة ( figure – ground reversals )
إخفاء أو إدماج الصور ( embedding )
ازدواج الصور ( double entendre)
الضوء الخافت أو الصوت المنخفض ( low intensity light and low volume sound )
الإضاءة و خلفية الصوت ( lighting and background sound )
عروض الـ " تاكستوسكوبيك " ( tachistoscopic displays )
تطبيقات من الواقع
في المجال السمعي هناك العديد من الحالات الموثقة من أشهرها ما نشرته مجلة تايم الأمريكية عن جهاز تم تصميمه لخلط الأصوات يتم تركيبه في مراكز التسوق لبث رسائل للمتسوقين ، يقوم الجهاز بخلط الموسيقى الحالمة برسائل تبث بصوت خافت جداً لا تلفت الانتباه و لكن تؤثر على سلوك المستمع ، و نظراً لانتشار السرقات، كانت الرسالة المدمجة تحث على الأمانة و عدم السرقة ، وقد نتج عنها انخفاض السرقات بأحد المخازن الكبيرة بنسبة 37% محققة وفراً للشركة يقدر بستمائة ألف دولار ، وبرغم إيجابية التجربة إلا أن إمكانيات ( التأثير اللاإرادي ) على الجمهور أثار قلق الكثيرين من المفكرين و المشرعين .
كما تم استخدام تقنية الإخفاء البصري في مجموعة من الحالات ، فهناك حالة " الجهاز الأسود " الذي تم تركيبه على آلة العرض السينمائي في إحدى دور السينما الأمريكية لإرسال إشارات إعلانية ضمن عرض الفيلم الرئيسي و لكن دون معرفة الجمهور ، نتج عن ذلك إنصراف الجمهور عن مشاهدة الفيلم إلى صالة الاستراحة لشراء المرطبات و الفشار ، استمرت التجربة في سلسلة من العروض السينمائية شملت عدد 45.699 مشاهد و لفترة ستة أسابيع متتالية ، أدت تلك الإعلانات إلى ارتفاع مبيعات المرطبات بنحو 18 % و ارتفاع مبيعات الفشار بمقدار 75% .
كما تنتشر و سائل الدمج بين شركات التبغ و الكحول للحيلولة دون إقلاع المدنين من الفئتين ، ففي تجربة قام بها عالم نفس على مدمني الكحول الذين يسعون جاهدين للإقلاع ، تبين له أن معظمهم يعانون من أعراض انسحاب متشابهة ، كان من أبراز تلك الأعراض تعرضهم " لكوابيس " مفزعة جداً عند نومهم تتلخص معظمها في رؤية جماجم بشرية و وجوه تصرخ و أشكال حيوانات مخيفة ، كانت هذه الكوابيس تتكرر دائماً عندما يحاول المدمنون الإقلاع عن الكحول ، و لقد استغلت شركات الكحوليات هذه المخاوف و هذا الرعب ، بإدماج صور الجماجم و المخلوقات المفزعة ضمن وسائل إعلاناتها لعرقلة جهود الإقلاع لدى المدمنين ، ولقد اكتشف الباحث "الكتور لكنار " عشرات الصور ضمن إعلانات شركات الكحوليات .
السياسة و الفن
أوردت بعض الصحف أنه تم مقاضاة إحدى شركات الإنتاج السينمائي لإدماجها صور " أقنعة موت " بأحد أفلامها المرعبة ، مما أدى إغماء أحد المشاهدين و سقوطه و إصابته بكسور و رضوض ، كما أوردت مجلة " تايم " في عدد 30/6/1990م قضية شابين مراهقين أقدما على الانتحار بعد سماعهما شريطاً غنائياً يحتوي على رسائل إيحائية تحث على الانتحار ، و لقد تم توثيق هذه الحالة في مجلة " أميريكان سايكولوجست " كما رفع ذوو الشابين قضية على المغني و شركة سي ـ بي ـ اس ( CBS ) التي أنتجت ذلك الشريط الغنائي .
و على الصعيد السياسي ظهرت تقارير في عدد من وسائل الإعلام الشهيرة مثل سي ـ ان ـ ان ( CNN ) عن استخدام تقنية الخداع البصري من قبل المرشح الجمهوري " جورج دبليو بوش " ( الإبن ) خلال الانتخابات الأمريكية لعام 2000 فلقد أعدت حملت " بوش " فيلماً انتخابياً لانتقاد المرشح الديمقراطي " آل جور " وذلك بإدماج كلمات نابيه عنه ، و بالرغم من أن جماعة " بوش " ادعت أن ذلك مجرد مصادفة ، قامت السلطات الفدرالية الأمريكية بتوجيه تعليمات لمحطات التلفزيون الأمريكي لمنع ذلك الفيلم .
ردود الفعل
نظراً لقوة نفوذ الشركات متعددة الجنسيات التي كثيراً ما توظف هذه التقنيات ، إضافة إلى طبيعة هذه التقنيات المستترة فإن مساءلة الشركات المعنية يعتبر أمراً غير يسير ، و مع هذا فلقد تنبهت وكالة الاتصالات الفدرالية الأمريكية ( FCC ) منذ ربع قرن إلى خطورة هذه الوسائل و أصدرت قراراً في 24 / 1 / 1974م يدينها ويعتبرها من الخداع المتعمد ، و في نفس العام أصدر المجلس الاقتصادي و الاجتماعي التابع للأمم المتحدة قراراً أشد لهجة يدين هذه الوسائل الإعلانية ، و في 6 / 8 / 1984م تبنت لجنة العلوم و التقنية التابعة للكونغرس الأمريكي طرح هذه القضية لأهميتها للرأي العام الأمريكي .
ماذا نفعل !
لا شك أن هذه القضية تثير الجدل و تنكرها الكثير من شركات الإعلان و العلاقات العامة العالمية ، و لذلك كان من الضروري أن أستشهد بأبحاث و تقارير مؤسسات غربية رصينة فضلاً عن الوكالة الحكومية المسؤولة عن النشاط الإعلامي الأمريكي إضافة إلى الكونغرس و الأمم المتحدة ، و عليه فلقد أصبح مهماً أن يدرك القارئ الكريم حقيقة هذه الوسائل و تأثيرها على سلوكه الاستهلاكي .
قد تكون فكرة جيدة أن يستخدم القارئ الكريم مجموعة من " المصافي " أو " الفلاتر " الذهنية عند استقباله لأية مادة إعلانية ، و لقد ذهبت بعض شرائح المجتمع الغربي إلى تفعيل تقنيات تحجب الإعلانات التلفزيونية بالكامل لإدراكها اليقيني باستخدام بعض شركات الإعلانات العالمية و سائل الخداع البصري و السمعي المنوه عنها .
و لنسأل أنفسنا : أليست معظم مشترياتنا لنزوات النفس و ليست للحاجة الفعلية ؟ أليس من الأفضل شراء ما نحتاجه و ليس ما نشتهيه ؟ أليس ادخار اليوم أفضل من اقتراض الغد ؟ إذا كانت إجابتك بنعم فلقد عرفت الصواب فالزمه .